المستقبل لهذا الدين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله لا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو الذي يقول في محكم التنزيل: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}، وقد شاء بحكمته البالغة أن يختم الرسالات والنبوات ببعثة محمد (ص)، وأن يجعل الدين الذي جاء به مكملا للأديان، فقد أكمل الله به الدين لأهل الأرض، فلا يمكن أن يأتيهم خطاب من عند الله بعده، ولذلك قال في نهاية تنزيل أحكامه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}،

فقد ارتضى الله هذا الدين دينا للبشرية كلها وخاطبها بذلك، وقد صح في الصحيح أن حبرا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معاشر اليهود أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال وما هي؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، قال: أما إني لأعلم أين أنزلت ومتى أنزلت، لقد نزلت على رسول الله (ص) وهو واقف بعرفة يوم جمعة، ولم يعش النبي (ص) بعد نزول هذه الآية إلا اثنين وتسعين يوما، فكان ذلك في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فعاش عشرين يوما من شهر ذي الحجة، وثلاثين يوما هي شهر  المحرم، وثلاثين يوما هي شهر صفر، وتوفي باليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، من هذا الشهر الذي نحن فيه، وقد أنزل الله عليه هذه الآية إيذانا بأن الوحي قد انقطع، وبأن الدين الذي ارتضاه الله للبشرية هو هذا الإسلام الذي أنزل على محمد (ص)، فتعهد الله بحفظه ونشره ونصره، وأنتم تعلمون أنه القادر على الوفاء بما تعهد به، وأنه لا يخلف الميعاد، وكان تعهده بحفظه بارزا في عدة مظاهر، المظهر الأول منها حفظ الكتاب الذي أنزل به، فالكتب السابقة إنما كانت يستحفظها أهلها، فيحفظها الأحبار والرهبان، وهذا الكتاب تولى الله حفظه بنفسه، ولذلك قال الله في ذكر التوراة: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} وقال في القرآن: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال فيه: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وقال فيه: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين} فتولى الله حفظه بنفسه، فهذا القرآن المحفوظ في الصدور المتلو بالألسنة المكتوب في المصاحف ما دام موجودا على الأرض فذلك استمرار لهذا الدين وحفظ له، ولا يمكن أن يعتدى على هذا الدين ولا أن ينقص منه شيء ما دام هذا القرآن قائما في الأرض حجة على أهلها، وقد تحدى الله به الثقلين الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله، وقد حاول ذلك بعض البلهاء فما وصلوا إلى نتيجة، جاء مسيلمة الكذاب وهو من فصحاء بني حنيفة، فحاول أن يحكي أية سورة من القرآن، فما جاء إلا بالمضحكات التي يعجب منها العقلاء، سمع سورة الفيل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول} وهي غاية في البلاغة والإيجاز، تضمنت تقريرا كاملا عن قصة عظيمة من قصص التاريخ، وذكرت ما فيها من العبر والآيات، وبينت آثارها وما ترتب عليها، فجاء هو فسلطه الله على نفسه فلم يأت إلا بقوله: الفيل وما الفيل وما أدراك ما الفيل ذنبه قصير وخرطومه طويل، فهذا لا فائدة فيه إنما يضحك منه العقلاء، وكذلك عندما سمع قول الله تعالى: {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا} على ما في هذه السورة من البلاغة العظيمة ومن أعظمها ما فيها من البديع، والذاريات ذروا، فالفاصلة هنا مفتوحة ذَروا، فالحاملات وقرا، فالفاصلة مكسورة، فالجاريات يسرا، فهي مضمومة، على ترتيب الحركات الفتحة ثم الكسرة ثم الضمة، بالإضافة إلى ما فيها من الإعجاز اللفظي، حاول هو أن يأتي بشيء يقابل هذا فقال: والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، فلم يأت بشيء، كذلك فإن المتأخرين من أعداء الله تعالى ساءهم وجود هذا القرآن واستمراره، فعندما اجتمعت الحكومة الإنجليزية في سالف الزمان لتنفيذ مؤامرة على المسلمين قام فيهم خطيبهم فحمل نسخة من المصحف الشريف وقال: ما دام هذا الكتاب موجودا بأيدي المسلمين فلن تصلوا منهم إلى مرادكم، فلذلك يبقى هذا الكتاب حافظا لهذا الدين بيانا لأن المستقبل له، فالمسلم إذا وجد ضيقا وتكالبت عليه الأمم سيجد الفرج في كتاب الله، إذا وجد مرضا وألما سيجد الفرج في كتاب الله، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}، إذا جهل حكما سيجد الجواب في كتاب الله، إذا جهل خلقا سيجد الجواب في كتاب الله فيه حل كل المشكلات، ولذلك لا يمكن أن يحس بالغربة من رفيقه القرآن، ولا يمكن أن يحس بالعراء من يعيش في ظلال القرآن فلا بد أن تستذكر هذه الأمة وأن تستحضر هذه العظمة التي مجدها الله بها ببقاء كتاب الله بين أظهرها، وهو تسلية عن كل ما يحصل، فكلما جاءت ضائقة أو احتج المشركون بشبهة أنزل من القرآن ما يفرج ذلك، اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون}، وكذلك اقرأوا قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}، إذا اشتكى الناس  من هزيمة من الهزائم لجأوا إلى القرآن فوجدوا فيه قصص السابقين وما نالوا من الأذى والضيق فوجدوا أن حالهم سيتسع، إذا قرأوا في وقت ضيق وشدة قول الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، عرفوا أن ما هم فيه إنما هو حلقة من حلقات سلسلة التاريخ، وسنة من امتحانات الله التي يمتحن بها العباد، وأنه كلما جاء العسر فمعه يسران {إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}، وإذا جاء الضيق فكان الصبر فإن النصر مع الصبر، وإذا جاء الكرب فإن الفرج مع الكرب، وبهذا يتقوى المسلم قوة ليس لها حدود، ولذلك فإن أحد العلماء حين ضايقه الناس فسجن ونفي وصودرت ممتلكاته أتاه شخص وهو في السجن ينظر إلى حاله فإذا هو في غاية السرور والسعادة، فقال: يا أبا العباس ما يسرك؟ قال: ما يفعل أعدائي بي، قتلي شهادة، ونفيي سياحة وسجني خلوة، جنتي في صدري هذا القرآن بين يدي، فلا يمكن أن يضايق من يجد المتسع في كتاب الله، كذلك من مظاهر بقاء هذا الدين واستمراره أن الله سبحانه وتعالى تعهد للنبي (ص) بأن يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وهؤلاء المجددون الذين يجددون أمر الدين ما فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم ولا ابتعثوا من قبل دولة ولا سلطة إنما ابتعثهم الملك الديان لتجديد أمر الدين وفاء بوعده لرسوله الكريم (ص)، فهم يجددون ما جهله الناس من أمر الدين، ولذلك أخرج الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث وأبو عمر بن عبد البر في مقدمة التمهيد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، أولئك اصطنعهم الله سبحانه وتعالى ووفقهم ليجعلهم أمناء على وحيه، ولم يكن الله ليأتمن على وحيه المفلسين، لا بد أن يختار له الأمناء الموقعين عن رب العالمين الذين يميزهم الله بما آتاهم وبما وفقهم له وسددهم ليحفظوا دين الله سبحانه وتعالى، وأنتم تعلمون أن هذا القرآن منزه عن القذر والوسخ والأنجاس، وإذا كان في بيت أحدكم فسيجعله في أشرف مكان في البيت وأطهره وأنظفه، وهذا إنما هو بأمر الله، فكذلك لا يمكن أن يختار له من أوعيته إلا أنظف الناس قلبا وأتقاهم لله وأكثرهم إخلاصا له وتضحية في سبيله أولئك هم الذين يؤتمنون على كتاب الله، ثم إن هذا التجديد الذي تعهد الله به لهذا الدين يشمل تجديده من ناحية ما يتجدد من الوقائع، فالنوازل والوقائع تتجدد والناس يبحثون فيها عن حكم الله، فيخرج الله له من يستنبطه فيخرجه من القرآن أو من السنة ويبينه للناس كأنه قد أنزل الآن، وكذلك ما يردون به على شبهات المفترين وابتداع المبتدعين، وما يؤيدهم الله به من التوفيق للأدلة وبيانها، وكذلك من أوجه التجديد ما يجددونه أيضا من بعث روح الأمل في الناس، ومن بعث التضحية فيهم، ومن تنبيههم إلى المخاطر المحدقة بهم، فكل ذلك من تجديد أمر الدين، لأن الأمة إذا أحست أن الدين مهدد فلا شك أنها ستبذل قصارى جهدها في الدفاع عن دينها إذ هو أغلى شيء لديها، كذلك من مظاهر استمرار هذا الدين أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة خاتمة للأمم فهي أكثر أمم الأنبياء، وقد صح عن النبي (ص) أنه عرضت عليه الأمم فكان يرى النبي وحده والنبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرهيط حتى رأى سوادا كثيرا فظن أنهم أمته فقيل هذا موسى وأمته، ولكن انظر إلى الأفق، قال: فنظرت فإذا سواد عظيم قد سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب، وصح عنه (ص) كذلك في صحيح البخاري أنه قال: ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، أي أوتي معجزة لو رآها البشر جميعا لآمنوا وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة، ولذلك قال: لا يبقى بيت شجر ولا مدر إلا دخله هذا الدين، والشجر أي البيوت المبنية من الأشجار والمدر الطوب كالأكواخ ونحو ذلك، أي لا يبقى بيت من الطوب إلا دخله هذا الدين وكذلك أخبر أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ومن هنا فالأذان الآن يرفع في جميع أصقاع الأرض، لا توجد مدينة ولا قرية في أنحاء العالم إلا وفيها من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وسيزداد ذلك ويعم، فهذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، ولذلك فإنه تعالى بين هذا الوعد في عدد من آيات كتابه فقد قال تعالى في نذارة موسى عليه السلام: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}، وقال تعالى في نذارة داود {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين}، وقال تعالى : {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}، قال قبلها {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}، وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، وقد بين الله سنته الماضية في أحلك الظروف وأقساها على المسلمين عندما كان يوم الأحزاب فحصر رسول الله (ص) والمؤمنون معه بالمدينة، وجاءتهم قريش وأحلافها من جهة الغرب، وغطفان وأحلافها من جهة الشمال واليهود ومن معهم من جهة الشرق، فأحاطوا بهم من كل جانب، وأصبح الأعراب الذين حول المدينة يتربصون بها الدوائر يريدون الاعتداء على سارحتها أو على زرعها، ويظنون أن من فيها سيتخطف في الأرض ولن تبقى لهم باقية، واشتد الحال بالمسلمين حتى وصل إلى ما بين الله في محكم التنزيل إذ قال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}، جاء فرج الله عز وجل وهذا الفرج لم يكن متوقعا إلا لدى أهل الإيمان والتقوى، ولذلك قال الله تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها} كل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وتقديره، وفي ذلك الوقت كان النبي (ص) يقول لأصحابه أوتيت مفاتيح الأرض وأوتيت كنوز كسرى وقيصر، وقال: لتفتحن كنوز كسرى وقيصر فتنفق في سبيل الله فكان المنافقون يقولون: يعدكم محمد أنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وقيصر، وها أنتم اليوم لا يستطيع أحدكم أن يخرج لقضاء حاجته، فلم يمض ست سنوات حتى فتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت في سبيل الله، في هذا الوقت الذي كان المسلمون لا يتجاوزون ألفا وخمسمائة مقاتل، وهم محصورون في المدينة ليس لهم مدد خارجي، وليس لهم أي سلاح ضارب، لم تمض ست سنوات حتى دخلت الجزيرة العربية كلها دين الله، وخرجت الجيوش الإسلامية فاتحة إلى العراق والشام، وتوالت الفتوح وتضاعفت الرقعة وفتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت في سبيل الله، إن هذه السرعة في ذلك الزمان الأول مؤذنة بسرعة النصر في هذا الزمان، فزماننا هذا أسرع وما يحصل فيه مما ليس متوقعا أكثر، فقبل سنوات قليلة من كان يتوقع منكم ما حصل اليوم من التطورات في هذا الزمان، فمثلا أنا أسمع الآن صوت التلفون المحمول من كان يتوقع وصوله إلى مثل ما وصل إليه الآن قبل سنوات يسيرة، لم يكن أحد يحلم بمثل هذا النوع لكن ذلك يقع بين الكاف والنون إذا أراده الله تحقق، ومن هنا لا يستغرب أن يأتي نصر الله من غير أن نفكر في الوسائل ومن غير أن نتعب أنفسنا في التخطيط فسيأتي ذلك النصر لا محالة لكن له شروطا لا بد من تحققها، وهذه الشروط يسهل جدا على الأمة الإسلامية أن تحققها، فلا يطلب تحقيقها في جميع الأفراد، بل يطلب تحقيقها للطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وهذه الشروط بينها الله بقوله: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، وقال {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات}، إذن هذه هي الشروط وهي ميسورة سهلة، وإذا تحققت لا بد أن يأتي النصر الموعود، كذلك من مظاهر استمرار هذا الدين ما ثبت الله به المؤمنين من الثوابت المسلمة التي لا يناقش فيها أحد، مثل قوله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون}، فالكفار ما ذا يطلبون من المسلمين، أعداء الله ماذا يريدون، هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين، إما أن ينال المسلمون الشهادة في سبيل الله وإما أن ينالوا النصر وهزيمة الأعداء، فهذا مثبت عجيب لقلوب المؤمنين وهو يقتضي منهم أن لا ينهزموا في كل حال، قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين إما الشهادة في سبيل الله وهي أحسن وأبلغ وأكبر، أو النصر على الأعداء وهو الذي يلي ذلك، كذلك من هذه المثبتات أن الله سبحانه وتعالى يريهم من الآيات في هذا الكون ما يدل على صدق وعوده وصدق آياته المستورة في كتابه: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فنحن اليوم نشهد كثيرا من إيمان الكفرة الفجرة الذين يدخلون في دين الله أفواجا ويرجعون إلى هذا الدين طواعية من غير إكراه، بعضهم يرجع إليه بسبب اكتشاف علمي اكتشفه، فوجد أنه موجود لدى المسلمين في كتابهم أو في سنة محمد (ص)، وهؤلاء الذين يسلمون بسبب الإعجاز العلمي ذوو عدد، عددهم كثير، ونجد آخرين يسلمون بسبب مشاهد ومظاهر رأوها في وقت الحرب مع المسلمين، أسلم كثير من الجنود الأمريكان عندما رأوا جثث المجاهدين المستشهدين في أفغانستان تمكث الأسابيع ولم تتغير، وكأنهم يبتسمون، ليس فيهم أية رائحة ولا تغير في اللون ولا اختلال في الجسم، وكذلك أسلم كثير من الجنود الروس بسبب ما شاهدوا من قبل من النصرة التي نصر الله بها المؤمنين، ومن غرائب ذلك ما أخبروا به اليوم فهم يخبرون الأمريكان في حربهم على أفغانستان، يقولون ما دمتم لم تشاهدوا الإبل فلا بأس عليكم، قالوا ما هي الإبل؟ قالوا: كنا بالليل نرى بالرادار إبلا أو جمالا تقدم إلى المعسكر، فنراقبها بالرادار والتصوير، فإذا دخلت المعسكر تفجرت فكانت كالصواريخ أو كالقنابل، وقد شاهدت في جريدة أمريكية عن بعض الجنود الأمريكان الذين كانوا مشاركين في تلك الحرب في أفغانستان أنهم شاهدوا في الليل جملا عملاقا يتقدم فذكروا نصيحة الروس فضربوه بالرصاص فلم يؤثر فيه، كلما ضربوه قطع مسافة إليهم، حتى وصل إلى المعسكر فتفجر، وهو مشاهد على الشاشات أنه جمل ليس معه أي أحد وليس محملا بأي شيء، لكن هذا من مكر الله وكيده، ومثل ذلك عدد من الذين يحضرون في هذه الحروب فيشاهدون الصبر والمصابرة في الجهاد في سبيل الله، يسلمون بسبب ذلك، فأحدهم أسلم في باكستان وقال إنه سيحفظ القرآن لن يخرج من باكستان حتى يحفظ القرآن بسبب أنه رأى الطائرات تقصف المجاهدين في خنادقهم فإذا ولت وفرغت حمولتها خرج منهم رجل فوضع إصبعه في أذنه فأذن، فما يكتمل الأذان حتى يخرج الناس من الخنادق ويقيمون الصلاة ثم يرجعون إلى خنادقهم قبل أن تأتي الطائرات، هذا من الأمور التي يشاهدها الكفار فيشهدون بها فتكون سبب إسلام بعضهم، كذلك بعض الآيات الكونية التي لا تتعلق بنصرة الدين لكن تتعلق بصحة ما جاء في القرآن فإسلام عدد كبير من الأطباء بسبب شفاء بعض المرضى الميؤوس منهم بسبب شرب زمزم، أو بسبب قراءة القرآن واضح منتشر، وكذلك بعض الأمور العجيبة التي يرونها، وقد تكون أمرا معتادا لدينا نحن لكن يجعله الله سببا لإسلام بعضهم، لقيت شابا إنجليزيا في برمنجهام قد أسلم وحسن إسلامه، فسألته على يد من؟ فقال: أسلمت على يد هرة، أسلم على يد هرة، لم يسلم على يد أحد من الدعاة ولا بسبب شريط ولا كتاب إنما أسلم على يد هرة، سألته عن ذلك، ذكر أنه كان سائقا لليموزين تاكسي، فاستأجره رجل في وقت المساء من شرق آسيا لا يدري هل هو من باكستان أو من بنغلادش أو من غيرها، فحان وقت صلاة المغرب فطلب منه أن يتوقف وأن يترك العداد يشتغل حتى يصلي صلاة المغرب عند مسجد من المساجد، قال ودخل الرجل يصلي وأنا مرتاح لأنني من الصباح وأنا أعمل والعداد يشتغل فليس علي خسارة، فخرجت من السيارة أتمدد فإذا هرة جميلة عند باب المسجد، فذهبت لأداعبها وألعب معها ففرت مني ودخلت في المسجد، فرجعت كئيبا حزينا فما وصلت السيارة حتى خرجت مرة أخرى تنظر إلي، فرجعت إليها فدخلت في المسجد ثانية وثالثة، فعرفت أنها تحس أن شيئا يعصمها في الداخل وأنني لا أتجاسر عليها إذا دخلت، فتبعتها قليلا لأرى ما في الداخل، فنظرت فإذا جميع المصلين في حال الركوع وهم جميعا خاشعون لله، فنظرت فإذا الناس كلهم يدينون لرب العالمين في هيأة واحدة، فكان هذا سبب إسلامه، وآخر أبوه يهودي متعصب متطرف من أغنياء الإنجليز، وهو طبيب من مشاهير الأطباء في لندن، ويعمل معه طبيب ليبي في نفس المستشفى الذي يعمل فيه الليبي، حصل بينهما شجار في المستشفى، فهذا الطبيب يقول ما من شعب من شعوب الدنيا أوسخ ولا أقذر من المسلمين، فالطبيب الليبي قال له: هذا غير صحيح، فمحل القذارة أقذر شيء في الإنسان لدى المسلمين أطهر من وجهك أنت، أنت تغسل وجهك كم مرة في اليوم، قال ثلاث مرات في الصباح يكفي هذا، قال المسلمون يتنظفون حتى في مواقع خروج النجس يغسلونها وذكر له الطهارة خمس مرات أي أوقات الصلاة، وذكر له الوضوء فأنكر هذا قال:تعال معي تشهد ذلك في مسجد لندن الكبير فخرج معه فلما أتيا إلى مسجد لندن في إحدى الصلوات الجهرية أظن أنها صلاة العشاء، وقفا قبل الصلاة عند مكان الوضوء، فإذا الناس يأتون متفاوتين يتوضؤون، يأتي الإفريقي والآسيوي والإنجليزي المسلم والعربي كلهم يتوضأ بنفس الهيئة، يغسل كل عضو ثلاث مرات والأطباء يشاهدون ذلك، ثم دخل المسجد فقال له: انتظرني هنا حان وقت الصلاة وأنت لا يمكن أن تدخل المسجد، حتى أصلي وأعود إليك، فوقف حول الميضأة والناس ما زالوا يأتون يتوضؤون ويدخلون، قال انتظرت قليلا فإذا الباب عندما يفتح يخرج إلي صوت جميل بنغمة هادئة، فأحببت أن أسمعه من كثب، فاقتربت إلى الباب فأدخلت وجهي فقط، فسمعت الإمام يقرأ قراءة هادئة جدا، والناس وراءه في صمت رهيب، يستمعون إليه سمعت ذلك وقتا ثم خرجت ولم يشد الأمر انتباهي جدا، فأنا كثيرا ما أسمع الأغاني والأناشيد، هذا أمر طبيعي عندي، فوقفت في المكان الذي تركني فيه صاحبي، فلما قضى الناس الصلاة وسلموا صاروا يخرجون أفواجا وكلما مر علي أحد نظر إلي نظرة مستغرب وبدأ يقترب مني ويسألني ما شأنك حتى تجمهر حولي عدد من الناس يقولون إن وجهك مضيء يشرق وكنت أنكر ذلك ولا أظنه صحيحا حتى جاء صاحبي وقال: ما ذا في وجهك، قلت: ليس فيه شيء، قال: بلى إن وجهك يضيء كالقمر، قال: فأنكرت ذلك فتقدمت إلى المرآة فنظرت فإذا فيه بقايا من النور الذي ذكروا، فوجد أنه القدر الذي دخل في المسجد قد أصبح مثل فلقة القمر، فكان هذا سبب إسلامه، وهذا الذي حصل لهذا الرجل كثير من المسلمين يدخلون المسجد ولا يحصل لهم هذا النور لكنها آية خصه الله بها، مثل ما قال النبي (ص) لأصحابه في محلم بن دلامة الذي قتل رجلا يشهد أن  لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عند إسلامه، فقال النبي (ص): اللهم لا تغفر لمحلم، فمات فدفنوه فنبذته الأرض، ثم دفنوه مرة أخرى فنبذته الأرض، ثم دفنوه ثالثة فنبذته الأرض فواروه بالحجارة فقال النبي (ص) إن الأرض لتواري من هو شر منه، ولكنها آية، الأرض تواري من هو شر منه، لكن هذه آية، كذلك هذا الرجل الذي ابيض وجهه كثير من المسلمين ممن هو خير  منه لا يحصل له هذا، لكنها آية كانت سبب إسلامه، ومثل ذلك طبيب أمريكي متخصص في الأمراض الباطنية جاءته امرأة مغربية مصابة بالسرطان في مراحل متقدمة، وأخبرها أنها ليس لها أي علاج وأعطاها بعض مسكنات الألم، ونصحها بالخروج من المستشفى لأن بقاءها فيه مكلف وأن تذهب إلى قريتها ومكانها حتى تموت، وكان ذلك بأسلوب مهذب لكن فهمت منه المرأة اليأس من حياتها وأنها لا يمكن أن تعيش، فقالت له بكل صراحة: أخبرني كم تتوقع بقي من عمري؟ قالت: أنا موقنة بأنني سأموت، لكن أخبرني فقط كم تتوقع بقي من عمري؟ قال: حوالي شهر، فذهبت هذه المرأة وطلبت من زوجها أن يرتحل بها إلى مكة المكرمة، فذهب بها إلى المسجد الحرام فلم تقبل الخروج منه، جلست فيه تشرب زمزم وتقرأ القرآن، فلما مضت المدة المسموح بها في التأشيرة وجدت أن شعرها قد رجع في ازدياده وكانت تشرب الكيمياويات التي تزيل الشعر، ووجدت أن صحتها قد تحسنت، فبعد مدة وجدت أنها قد برئت تماما ولم تعد تحس بشيء، فرجع بها زوجها إلى نفس الطبيب الأمريكي فلما شاهدها كاد يغمى عليه من الهول، وأمر بإجراء فحوص عاجلة لها فوجد أن كل شيء سليم وهو لا يصدق هذا، سألها عن السبب فذكرت له ذلك، فكان هذا سبب إسلامه، وآخر أيضا كان يعالج الأمراض النفسية، وكان كلما أتاه مصاب بالأمراض النفسية يبحث عن شيء يرتاح له ذلك المريض، فوجد أن الأصوات من أبلغ المؤثرات، فكان يجمع أنواع الأغاني والأشرطة من مختلف أنواع الشعوب، حتى أصوات الطيور يسجلها فيسمع المرضى تلك الأشرطة، حتى وقع على شريط من القرآن، بتلاوة الشيخ محمد علي المنشاوي، من سورة الرعد، فوجد أنه أشد تأثيرا على المرضى من كل الأشرطة، فحاول أن يستعرض ما فيه فسمع الكلام، إذا الصوت عادي جدا ليس مثل أصوات المغنين الجميلة، فعرف أن القضية لا تتعلق بالنغمة والصوت وإنما تتعلق بمضمون الكلام، فبحث عن تفسير هذه السورة حتى وصل إلى قول الله تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب فقال: هذه النكتة، فكان ذلك سبب إسلامه، ومثل هذا كثير جدا في أنحاء العالم، كذلك من هذه المبشرات التي تقتضي استمرار هذا الدين أن أعدى أعداء الدين اليوم وأعتاهم الجيش الأمريكي، أكبر مؤسسة لعداء الإسلام وأقواها الجيش الأمريكي، ومع ذلك للجيش الأمريكي معهد لتكوين الأئمة أئمة مساجد الجيش الأمريكي، وقبل ثلاث سنوات طبع الجيش الأمريكي  نسخة من المصحف واتخذ قرارا بأنها تعتبر قطعة سلاح أي أنها محترمة لا يحل لأي عسكري إلا أن يحترمها غاية الاحترام مثل احترام السلاح، حتى لو كان كافرا فهي مثل قطعة السلاح لا بد أن تحترم، كذلك فمن هذه المبشرات التي تدل على أن المستقبل لهذا الدين رجوع كثير من عصاة المسلمين إلى الله سبحانه وتعالى، فنحن نشهد اليوم زيادة أعداد المساجد وزيادة أعداد المصلين فيها، والذين كانوا منكم في هذه المدينة قبل فترة لا شك أنهم يتذكرون عندما كان عدد المساجد فيها محصورا يسيرا قليلا وكان رواد ذلك المسجد عددا يسيرا من الشيوخ كبار السن واليوم ولله الحمد أعداد المساجد بهذا الحجم وروادها بهذا العدد وكثير منهم من الشباب الذين هم في مقتبل العمر، ومثل ذلك ما كان في أوساط النساء، وهن اللواتي كثيرا ما يعتني بهن أصحاب الفجور ويجعلهن من حبائل الشيطان ومن وسائل الإغواء، فاللواتي يلتزمن ويهتدين ويتسترن من النساء ذوات عدد مضطرد، وليس ذلك خاصا بشريحة ولا طبقة بل هذا منتشر في المستويات الراقية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك ما كان من هذا في بلاد الكفر، فأعداد المساجد الآن في باريس وحدها تتضاعف في كل عام تقريبا، ما من عام يمر إلا وازداد فيه العدد بمثله تقريبا، بالإضافة إلى إقبال شديد عليها، فقلما يبنى مسجد إلا كان يمتلئ وبالأخص في أيام الجمعة، قلما بني مسجد إلا ملأه المصلون، كذلك كثير من الذين فجروا وفسقوا وأوغلوا في أنواع الفجور والعصيان أصبحوا اليوم من الداعين إلى الإسلام والراجعين إليه، بل كثير منهم أصبح من الدعاة البارزين المشاهير ، وتسمعون اليوم عددا كبيرا من الخطباء والوعاظ والمذكرين الذين كانوا فجارا ثم هداهم الله، مثلا الشيخ أحمد القطان تسمعون بأشرطته ودروسه، القطان في الكويت، والشيخ محمد العوضي، والشيخ عادل الكلباني، والشيخ محمد بن سعيد القحطاني، وسعيد بن مسفر القحطاني كذلك، وفي بلدان مختلفة عدد كبير من الذين كانوا من الفجار وقد أصبحوا من قادة الدعاة، تسمعون بالدكتور عمرو خالد المصري الذي كان من بيئة موغلة في الإسراف في أمور الدنيا ومن أرقى الطبقات الاجتماعية في مصر من ناحية الغنى، وقد تربى بعيدا جدا عن دين الله والالتزام به، وقد أصبح اليوم يهتدي على يديه أعداد كبيرة جدا من الناس، وقد حضر في الأسبوع الماضي مؤتمر البورجيه في باريس وهو مؤتمر الاتحاد الإسلامي في فرنسا اتحاد المنظمات الإسلامية العاملة في فرنسا، وحضر هذا المؤتمر أكثر من مائة ألف من المسلمين، وكان من أبلغ المحاضرين فيه المؤثرين، وهكذا عدد كبير من الذين يرتادون المساجد اليوم في كل مدينة من مدن العالم كانوا قد فجروا وبغوا وطغوا ووصلوا إلى ذروة العصيان ثم هداهم الله فرجعوا طائعين غير كارهين ، وأقبلوا على الدين من جديد، وقد حدثني أحد المهندسين الجزائريين وقد كان من هؤلاء الذين طغوا من قبل، قال: لم أكن أعرف شيئا اسمه الصلاة، وكنت يوما من الأيام راجعا من العمل في وقت صلاة العصر، فإذا والدي وهو شيخ كبير  ولا أسلم عليه إلا مرة في الأسبوع ونحن نسكن في بيت واحد، إذا هو أمام البيت، قلت من أين جئت يا أبت؟ قال: من المسجد، قلت: ما هو المسجد، فأخذ بيدي فإذا مسجد قريب من باب دارنا، لكنه في زقاق ضيق ومختفي في طرف البيت، قلت: ماذا تعمل فيه؟ قلت: أصلي أنا والمجموعة التي فيه، فإذا هو يصلي مع تسعة كهول كبار السن، قال: فقلت له: إذا مت أنت وهؤلاء الكهول فسيهدم هذا المسجد ولن يتذكره أحد، قال: لا بل سيصل المصلون إلى باب دارنا هنا، فقال لي المهندس واسمه محمد حبيب الله البشير، قال: فبالله الذي لا إله غيره لقد خرجنا من ذلك البيت توسعة للمسجد، هذا البيت أعطوه للمسجد فصار توسعة لذلك المسجد، وهذا دليل على أن الصحوة بدأت من جديد، ولذلك فإن بعض طلاب العلم الدارسين هنا في موريتانيا من أبناء الجزائر، يذكرون أن آباءهم كانوا أعداءهم فهم يمنعونهم من الصلاة ويمنعونهم من قراءة القرآن ويمنعونهم من الأذكار وإذا وجدوا عندهم أي كتاب مزقوه، ويحاولون أن يكون معاشهم على الخمر وأنواع الفجور، ومع ذلك خرج من هؤلاء من هم طلاب للعلم مهاجرون بدينهم يدرسونه إلى الآن في المحاضر، وكذلك أذكر شابا أتانا قبل سنوات هنا في المحضرة من المغرب وما زال موجودا هنا في موريتانيا حسب ما أعتقد ذكر أنه مات أبوه وترك له خمارة، فكان يبيع فيها الخمر «ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب»، فكان يبيع فيها الخمر، ولم يكن له هواية إلا جمع الدراهم والدنانير جمع الدرهم وهو مشتغل بذلك، يقول: حتى أتاني شاب أنيق نظيف، فكان يجلس إلي ويتحدث إلي، ثم بدأ يدعوني لزيارة المسجد فزرت معه مسجدا ثم دعاني لقراءة الحزب، قراءة الحزب أمر معهود في المغرب، أهل المسجد جميعا يأخذون المصحف ويقرأون حزبا واحدا بنغمة واحدة، ثم بدأت ألتزم بأوقات الصلاة إلا صلاة الفجر، ثم فوجئت بأن هذا الشاب أخي الصديق صار يأتيني في وقت الفجر فيوقظني فأذهب معه إلى المسجد، بعد فترة ناقشني في قضية العمل في الخمر، وقال: أليس الأولى بك أن تحول هذا المتجر إلى متجر من نوع آخر أكثر ربحا وأكثر زوارا وروادا وأطيب، أول مرة أسمع أن الخمر كسب خبيث، تفاجأت فترة من أجل ما قال ثم عرفت أنه صدقني وأنه محب لي، فكان هذا سبب هدايته والتزامه، وأذكر أننا قبل فترة كنت أنا وأحد الزملاء في فندق في الدار البيضاء، فقمنا في وقت الفجر نبحث عن المسجد، فلما أتينا مسؤول الرسبشن الاستقبال في الفندق سألناه عن المسجد قال: انعس أو آتيك بالشرطة، انعس خل الناس ينعس، جئت بعد هذا قبل سنوات قليلة لذلك الفندق فإذا السوق القريبة منه يصلي فيها الناس صلاة الفجر، إذا الناس قد خرجوا من مسجد في الداخل حتى أصبحوا يصلون في أزقة السوق في نفس المكان، فتغيرت الأحوال ولله الحمد، ومثل ذلك ما تشهدونه في الصحراء التي قامت على شعبها مؤامرة دنيئة لإخراج أهلها من دين الله بالكلية، وهذه المؤامرة كان يؤخذ فيها الشباب الصغار فيذهب بهم إلى كوبا، وإلى الدول الشيوعية فيسقون الخمر في صباهم ويأكلون الخنزير ويتربون على الفجور، ثم ولله الحمد أصبح أولئك اليوم من طلبة العلم ومعلميه، وأصبحوا ولله الحمد من حملة هذه الدعوة، ومن الداعين إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يكن ذلك راجعا إلى جهد مبذول ولا إلى عمل قامت به الدعوة ولا أهلها بل كان من توفيق الله وتسديده، وهذا ليس مستغربا، فتاريخ هذه الأمة حافل بمثل هذا النوع، تعرفون أن التتار لما دخلوا بغداد في عام خمسمائة وخمس وستين من الهجرة وذبحوا الخليفة وسبعمائة ألف معه على شاطئ النهر، وكانت المرأة من التتار تأتي عددا من رجال المسلمين تقول: انتظروني هنا حتى آتي بسكين أذبحكم بها، فينتظرونها حتى تأتي بسكين فتذبحهم واحدا بعد الآخر وهم ينظرون، بسبب الوهن الذي دب في النفوس، ما هي إلا فترة يسيرة حتى عادت بغداد إلى مكانتها ورجع إليها المسلمون بكل قوة وانهزم التتار، ولهذا يقول أحد الشعراء فيها: «بغداد صاحبة الزمان صروفا** شتى ولابسة الزمان ظروفا** شابت وعاودها الشباب ولم تزل** أما لأفذاذ الرجال عطوفا** لم تنس عهد بنين قد ثكلتهمُ** وجرى بهم ريح الفناء عصوفا»، ونظير هذا كثير، فعندما استقر العبيديون بالقاهرة وقتلوا علماء أهل السنة ذبحوا منهم أكثر من ثلاثمائة عالم، وأرادوا القضاء على السنة بالكلية، حتى زعم زاعمهم أنه لن تقوم للسنة قائمة بعد اليوم في مصر، لم تمض سنوات قليلة حتى ذهب الله بهم ورجعت للسنة مكانتها وقوتها، وجاء صلاح الدين الأيوبي الذي كان من خدمهم فأصبح قائدا لأهل السنة، وأصبح على تلك المكانة وهو يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم ثلث الليل دائما، وكان محدثا فاجتمع حوله يوما عدد من طلاب الحديث، فسألوه أن يحدثهم بالحديث المسلسل بالابتسامة، وهو حديث مشتهر على ألسنة المحدثين، فحدثهم به ولم يبتسم، فقالوا: لو سمح سيدنا بالابتسامة حتى يتسلسل لنا الحديث، فقال: إني لأستحيي من الله أن أبتسم وبيت المقدس بيد الصليبيين، ثم غزا الصليبيين حتى أخرجهم من بيت المقدس وحرره منهم، وكذلك ما حصل للأتراك عندما غزوا مدينة هرقل وهي القسطنطينية، التي قال فيها النبي (ص) تفتح عليكم القسطنطينية مدينة هرقل، فلنعم الأمير  أميرها ولنعم الجيش جيشه، خرج محمد الفاتح لحصارها وهو يعلم أن ملوك المسلمين وأمراءهم من قديم الزمان كانوا يغزونها من أجل هذا الوعد، يرجون أن يكونوا من الموعودين بهذا الوعد، نعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشه، وقد غزاها يزيد بن معاوية ومعه أبو أيوب الأنصاري وغزاها عدد كبير من قادة المسلمين فلم تفتح، فغزاها هو ففتحها الله عليه، فلما فتحت ودخل عزيزا منصورا كنيسة أيا صوفيا وهي الجامع الكبير بالقسطنطينة باسطنبول الآن، واجتمع المسلمون للصلاة قال: هل في علماء المسلمين في الجيش اليوم من منذ بلغ لم تفته صلاة الفجر في الجماعة لم تفته تكبيرة الإحرام في صلاة الفجر في الجماعة، قالوا: لا، قال: إنها مسألة كنت أحتسبها عند  ربي ولم يكن يطلع عليها أحد، ولكني اضطررت لأن أبينها اليوم، فما فاتتني تكبيرة الإحرام في صلاة الفجر في الجماعة منذ أن بلغت إلى وقتي هذا، فتقدم فصلى بالناس، وكذلك فإن من هذه المبشرات التي تدل على أن المستقبل لهذا الدين أن الشيوعية الحمراء التي تمسخ الشعوب وتهجرها، وتعرفون ما حصل فيها من قبل من الاستبداد والشدة تعرفون أن شعب الشيشان قد تعرض من قبل للتهجير  والإبادة وأخرج من بلاده كاملا، الشعب بكامله يهجر من بلاده، والشعوب المجاورة كذلك قبعت تحت سلطان الشيوعية سبعين سنة، واليوم هاهم تخرج منهم النماذج الفذة المدافعة عن الإسلام، مثل القائد جوهر دودايف رحمه الله، والقائد شامل باساييف، وغير هؤلاء من المجاهدين في سبيل الله، وأذكر قبل سقوط الشيوعية أننا كنا في زيارة هنالك فلقينا امرأة روسية مسلمة كبيرة السن فأخبرت أنها لو وجدت من يريها المصحف لأعطته كل مصوغاتها ومقتنياتها، مجرد رؤية المصحف، تقول: أنا نفسي أن أرى المصحف، ولا تعرف كم من جزء هو، فهممت أن أعطيها مصحفا، فنصحني أصحابي، قالوا: لا تفعل، فإنك لو فعلت لماتت من حينها، فرحا به، وكان إذ ذاك الوقت على شدته وقسوته والشباب يدرسون أحكام الطهارة والصلاة والعبادات تحت الأرض في الأقبية، ولذلك هم الذين خرجوا اليوم، وهم الذين يقودون المسلمين اليوم في الجمهوريات الإسلامية كلها، أولئك الذين كانوا يتعلمون الأحكام في ظل سلطان الشيوعية الذي يضرب بيد من حديد كانوا يتعلمون أمور الدين في الأقبية تحت الأرض، وأذكر أن شبابا من طاجيكستان أتوني وهم يريدون الدراسة، فوجدت أن كل واحد منهم يلبس ثيابا قد جعل فيها مخابئ للكتب، وأنهم يشترون نسخا من الكتب صغيرة جدا مضغوطة فيضعونها داخل ملابسهم بحيث لا يطلع عليها بوجه من الوجوه، ويخرجونها بصعوبة من داخل ملابسهم ثم يردونها بعد نهاية الدرس، كل هذا دليل على أن هذا الدين عظيم، وأنه لن يتراجع أبدا ولن ينهزم، وأن البلايا والمحن التي تصيب هذه الأمة إنما هي معالم على طريق الحق، ونكبات أصابت من هو خير منا، وسيستمر الأمر على خير مما كان فلا بد أن يبقى في هذه الأمة من يجاهد في سبيل الله ويعلي كلمة الله وينصر الحق، والآثار واضحة شاهدة بهذا، لا ينكرها إلا مكابر، ومن أجل هذا فقد أخبرني رجل من الفلسطينيين أنه لقي حبرا من أحبار اليهود في فلسطين، فقال له: ما ذا تعلم عن المعارك القادمة؟ فقال: ما شأنك وشأنها؟ قال: نسمع أن اليهود سيهزمون في فلسطين وأن دولتهم ستسقط، قال: نعم ذلك واقع، لكن لستم أنتم أصحاب ذلك، قال: وما يدريك؟ قال: إنما أصحاب ذلك يكون عددهم في صلاة الفجر في المساجد كعددهم في الجمعة، إذا وصل العدد الذي يشهد صلاة الفجر في الجماعة قدر العدد الذي يشهد صلاة الجمعة فنعم سيحصل ذلك، وهذا الذي قاله هذا اليهودي قد بدأت اليوم ملامحه، فالرجل الذي حدثني بهذا قد توفي رحمه الله وهو شيخ من شيوخ القدس اسمه بيوض التميمي من ذرية تميم الداري، رحمة الله عليه وكان عضوا في المجمع الفقهي، واليوم يخبرني عدد من الذين يأتون من فلسطين في الداخل بإقبال عجيب على الله سبحانه وتعالى، وبالأخص في الشباب والنساء، ويذكرون من التزام الناس ما لا يتصوره أحد في ظل القمع الصهيوني والإهانات والأذى، ولذلك أخبر من قبل عبد الفتاح مورو سئل عن النهضة في تونس وعن الصحوة الإسلامية فيها ما سببها مع أن تونس من قبل ركز عليها الفرنسيون من أجل مسخها حضاريا بالكلية، وما لم يقوموا به قام به بورقيبة، فقال: كانت بداية الصحوة في تونس قطرة من دم سيد قطب، قالوا كيف ذلك؟ قال: لما قتل سيد قطب وصل خبر قتله إلى المسلمين في تونس، والشباب غارقون في أمرهم لا يعرفون شيئا عن واقع أمتهم ولا عن الدعوة ولا عن الجهاد في سبيل الله، فحينئذ فكروا في هذا الأمر فبدأت الصحوة في تونس بثلاثة أشخاص، كانوا يدرسون مختصر الأخضري يتدارسونه في المسجد، وبهؤلاء الثلاثة بدأت هذه الصحوة المنتشرة التي دخل الناس بها في تونس في دين الله أفواجا، وهذا من العجائب الغريبة، ومثله ما حصل قديما في ليبيا عندما ظن الإيطاليون الفاشيون أنهم قضوا على الروح الجهادية في ليبيا بالكلية، فوجدوا أن المجاهدين يزداد عددهم، كل فترة يزداد العدد، كل فترة يزداد العدد والحصار مستمر والقتل والتشريد، وكل ذلك يزيدهم عددا فقال أحدهم كلمته المشهورة: إن المجاهدين المسلمين كشجرة الصنوبر كلما قطع منها غصن نبت غصنان، فالعدد يزداد، ولا يزيده القتل ولا التشريد ولا السجون إلا زيادة وتقدما، ومن كان يظن أن تركيا التي مسخها مصطفى كمال أتاتورك وحرم فيها الأذان بالعربية، وحرم فيها الحجاب ستعود إلى حالها اليوم، إن الذي يزور تركيا الآن وقد زارها من قبل قبل عشر سنين أو قبل خس عشرة سنة يرى العجب خلال هذه الفترة، مدرسة واحدة في تركيا يحفظ فيها أعداد هائلة من الشباب القرآن حفظا عجيبا جدا ما رأيت مثله، شاب يحفظ القرآن الكلمة والتي قبلها والتي قبلها حتى يكمل القرآن إلى الخلف، يحفظه إلى الوراء كما يحفظه إلى الأمام، ويفحظه بأرقام الآيات وأرقام السور، إذا قلت له هات رقم كذا الآية الفلانية من السورة الفلانية مباشرة ينطلق، وهذه المدرسة قائمة إلى الآن، ونظيرها كثير جدا من المدارس العلمية والقرآنية، وإقبال الناس على الحجاب والالتزام الشيء الكثير جدا، فكل هذا يدلنا على أن المستقبل لهذا الدين وأن كل مضايقة له لا يمكن أن تؤثر فيه ولا يمكن أن تزيده إلا إقبالا، ولذلك تعلمون أن الصحوة في هذا البلد استفادت كثيرا مما حصل من قمع الصحوة في الجزائر، لما قمع الناس في الجزائر تحمس الناس هنا للدين، فرجع كثير من الشباب الموريتانيين للالتزام بالدين حين سمعوا الأخبار وكلما حصلت واقعة مثل هذا إذا حصلت مشكلة في فلسطين فأوذي المسلمون هناك أو في العراق أو في أي مكان ينتشر الإسلام في أطراف أخرى، وقد مثل له أحد الناس باليبس من الأرض، فالأرض اليابس منها قدر الربع والبقية كلها بحار، لكن لو قدر أن جزيرة من الجزائر خسف بها فاختفت فلا بد أن يظهر من اليبس قدرها أيضا، إذا اختفت قارة من القارات فستظهر قارة أخرى، لأن القضية مبنية على هذا التوازن، فلهذا إذا حصلت المضايقة في جانب يظهر الامتداد والزيادة في جانب آخر، وما هذا إلا نظير قول الشاعر: «كأن عيني وقلبي بعدكم طرفا** غصن من البانة الخضراء فينان** يسيل جانبه ماء إذا اشتعلت** نار مؤججة في الجانب الثاني» أو كما قال أبو بكر بن دريد رحمه الله: «قلب تقطع فاستحال نجيعا** فجرى فسال مع الدموع دموعا** ردت إلى أحشائه زفراته** فقضضن منه جوانحا وضلوعا** عجبا لنار أضرمت في صدره** فاستنبضت من جفنه ينبوعا** لهب يكون إذا توقد في الحشى** قيظا ويظهر في الجفون ربيعا» فكلما اشتدت المضايقة في جانب من الجوانب يتسع الحال في جانب آخر، وقد تعهد الله لنبيه (ص) بأن لا يسلط على هذه الأمة عدوا من سوى أنفسها فيستأصل بيضتها، إذا سلط عدو على جانب من الجوانب فسيحصل رخاء في الجانب المقابل، كلما حصلت شدة في مكان، فاعلموا أن الاتساع واقع في مكان آخر، وهذا مبشر عجيب لأن الله سبحانه وتعالى من قبل لما جاءت الشدة على المؤمنين بمكة جاء الفرج بالهجرة، فالفرج لم يأت في البداية في دارهم الأصلية بمكة، لكنه جاء في مكان آخر، وقد كانوا يبحثون عن مكان مطمئن في الأصل فهاجروا إلى الحبشة فلم يكن المطمأن هنالك بل كان في الأرض ذات الإحرين عندما أريها رسول الله (ص) وهي أرض ذات حرار ونخل بين جبلين، فظنها في الأصل الأحساء وهجر فكانت المدينة، إن وعد الله سبحانه وتعالى حق ولا بد أن يتحقق، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الناصرين لدينه وأن يعزنا بالدين وأن يعز بنا الدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأربعاء, 08 ديسمبر 2010 15:24
 

آخر تحديث للموقع:  السبت, 16 مارس 2024 18:39 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

إحصائيات

المتصفحون الآن: 25 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow