ما ذا يعني انتمائي للإسلام ؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأخرج مالك في الموطإ ومسلم في صحيحه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى يوم القيامة، أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي.

وأخرج مسلم في الصحيح كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في، وأخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سيارين في الأرض بغيتهم حلق الذكر، فإذا وجدوهم حفوهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا وتنادوا أن هذه طلبتكم، فيرتفعون إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم ماذا يقول عبادي، فيقولون: يحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: وهل رأوني، فيقولون لا، فيقول: فكيف لو رأوني فيقولون وعزتك وجلالك لو رأوك لكانوا لك أشد ذكرا، فيقول: وماذا يسألونني، فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها فيقولون لا، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا لها أشد طلبا وعليها أشد حرصا، فيقول: ومماذا يستعيذونني، فيقولون يستعيذونك من النار فيقول: وهل رأوها، فيقولون لا، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا منها أشد خوفا، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا رب فيهم عبدك فلان ليس منهم إنما جاء لحاجته، فيقول: هم الرهط أو هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

وأخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

ونحن الآن ينبغي أن نستحضر نياتنا وأن نخلص لله سبحانه وتعالى، وأن نحرص على أن يكون مجلسنا هذا الذي قلما سمح الزمان لنا بالاجتماع في مثله أن يكون حلقة من حلق الذكر التي تحفها الملائكة وتتنزل عليها السكينة ويغفر الله تعالى لأهلها جميعا ولكل من حضرها ولو لم تكن نيته خالصة، ولا يكون ذلك إلا بالنية الخالصة لقصد التعبد لله سبحانه وتعالى والإخلاص له، وطلب العلم الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده، والعمل بما يسمعه الإنسان مما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم تعلمون أن هذه الأمة لها رسول واحد هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالبينات والهدى من عند الله، وأننا جميعا رضينا به نبيا ورسولا، فيكفينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من القدوات والإسوات، والذي ينقص هو أن نتعلم ما جاء به ثم أن نبادر للعمل به، فليس لنا الخيار بعد مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس أحد معذورا في الإعراض عما جاء به، فإنه صلى الله عليه وسلم قامت به حجة الله جل جلاله على الثقلين الإنس والجن، فقد بلغ رسالات الله إلى من يقومون بتبليغها إلى من وراءهم، فكل إنسان منكم الآن بلغه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة ويجب عليه تبليغ من وراءه، ويكون الوقت الذي يمضيه في التبليغ امتدادا لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة في أمد رسالته، وأنتم جميعا رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ إلى من وراءكم، فقد جاء بهذا الدين فتركه في أصحابه وهم نقلوه إلى التابعين ونقله التابعون إلى أتباعهم وهكذا حتى وصل إلينا الليلة، ونحن في القرن الخامس عشر من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو مصلحة الإنسان في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الدار الآخرة، فهو يكفل كل المصالح، لا يحتاج الإنسان معه إلى أي شيء آخر، إذا طلب أية مصلحة فسيكفلها هذا الدين ويحققها، فقد جاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد بربهم جل جلاله، وجاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد فيما بينهم، وجاء فيه من الأخلاق أكرمها وأفضلها، وجاء فيه كذلك من الحوافز والترغيب والترهيب ما يقتضي من الإنسان المبادرة إلى الطاعة والنجاح في الامتحان، ونحن جميعا في هذه الدار أي الدار الدنيا ممتحنون بامتحان من عند الله سبحانه وتعالى، والناجحون فيه قليل، ولكنهم يحرزون من الفضل والسبق ما لا يخطر على بال كما روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}.

فرق شاسع بين من نجح في هذا الامتحان فكان من الذين آمنوا وبين من رسب فيه فكان من الذين فسقوا، فرق شاسع بينهم في مقامهم عند الله ومنزلتهم عنده، لأن كل عمل يعمله الإنسان اليوم في هذه الحياة إنما هو وظيفة يوظفه الله فيها والناس جميعا عباد له، وكل يزين له ما يعمله، فمن زين الله له العمل الصالح ويسره للطاعة، فهو ميسر لما خلق له، وأولئك هم الموظفون الذين اختار الله لهم أسمى الوظائف وأرقاها، فكانوا من نعمة إلى جنة، يعيشون في هذه الدار ما عاشوا، وهم مشغولون في الطاعة وما يرضي الله جل جلاله، فإذا ماتوا أعد الله لهم من النعيم المقيم ما لا يمكن أن يخطر على قلب أحد، والآخرون قذرهم الله جل جلاله، فوظفهم في أخس الوظائف، وشغلهم بشر الأعمال، فسلطهم على أنفسهم بمعصية الله، ولا يضرون الله شيئا، وإنما يضرون أنفسهم، وأعد لهم بعد ذلك الجزاء الوفاق، فالسيئة هي أسوأ ما يمكن أن يقع على وجه الدنيا، وجزاؤها هو أسوأ ما يمكن أن يقع في الآخرة، ولذلك فإن الإنسان لا بد أن يدرك أنه ذو قيمة، وأن له مزية، وأنه موظف وظيفة حقيقية، وعليه أن يبادر للقيام بوظيفته، وأن يعمل بها قبل أن يأتي أجله، فله مدة محددة يمكثها في هذه الحياة إذا عمل ما أمر به نجح وكان من الفائزين، وكانت حياته الدنيا منزلة عالية له، لأنه اتخذها مطية إلى الدار الآخرة، فاستغل أيامه ولياليه وأوقاته الخالية فيما يقربه من الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء يوم القيامة أوتي كتابه بيمينه ونودي ذلك النداء الشريف: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}،

وإذا ضيع الوقت فإنه سيندم غاية الندم، فكل يوم مضى أو شهر أو سنة أو عقد من الزمن لم يقرب الإنسان من الله ولم يزده من الطاعات والخيرات، إنما هو وبال عليه وحسرة وخصومة يوم القيامة، لأن الله تعالى يقول لأهل النار: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}.

وللإنسان خمسة أعمار، العمر الأول منها عمره في عالم الذر، عندما مسح الله ظهر آدم بيمينه فأخرج منه ذرية، فقال آدم: أي رب من هؤلاء، قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية، فقال آدم: أي رب من هؤلاء، قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنا وبعمل أهل النار يعملون، ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم فقال: ألست بربكم قالوا: بلى،والعمر الثاني هو عمر الإنسان فوق الأرض في هذه الحياة الدنيا وهو مجزأ إلى أيام وليال وشهور وسنوات، والامتحان فيه يبدأ من وقت التكليف عندما يكلف الإنسان فيكلف به ملكان ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن شماله يكتب سيئاته، وكلاهما مطلع على كل ما يصدر منه من العمل كما قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وقال تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}، وهو ممتحن بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، فأول ذلك حق الله جل جلاله، وهو أولا توحيده وأن لا نشرك به شيئا، فلا بد من تعلم حقوق الله سبحانه وتعالى وأن يحرص الإنسان على أدائها فالإسلام إنما يدخل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذه الشهادة العظيمة تقتضي من الإنسان الإقرار بأن لا نافع ولا ضار إلا الله جل جلاله، وأن الأمور كلها بيده، {ألا إلى الله تصير الأمور}، {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}، وكذلك تقتضي هذه الشهادة الإيمان بأنه وحده الذي يستحق العبادة، فصرف أي شيء من العبادة لغيره إنما هو خسارة، فالإنسان الذي يرائي أو يسمع إذا كان بحضرة الناس أحسن عبادته فإذا خلا بنفسه لم يؤدها على الوجه الصحيح، أو يترك المعصية بحضرة الناس فإذا خلا بنفسه عصا الله سبحانه وتعالى، هذا شهادته مدخولة، فهو يشهد أن لا إله إلا الله، ومع ذلك لا يعمل بمقتضى هذه الشهادة، فهذه الشهادة تقتضي منه أن لا يخاف إلا الله، وأن لا يطمع إلا في الله، وأن لا يقدم أي شيء من العبادة إلا لله، جل جلاله، فهو مستحق العبادة وحده، ولذلك قال الله تعالى في سورة فاطر: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}.

وكذلك من حقه ومن مقتضى شهادة أن لا إله الله الإيمان بأنه لا يحل ولا يحرم إلا هو جل جلاله فهو وحده الذي يستحق التشريع لعباده، فكل الأوامر الشرعية هي من عند الله سبحانه وتعالى فهو الذي يأمر بمأموراتها وهو الذي ينهى عن منهياتها، وذلك حق من حقوق الألوهية، وليس لأحد سواه أن يشرع للناس، فكل من أحل ما حرم الله أو حرم ما لم يحرمه الله ثم إن من أسباب المحبة أيضا الرجاء، فمن ترجو منه نفعا تحبه ولو لم يكن جميلا ولو لم يكن قد أسدى إليك معروفا في الماضي، ولكن لتعلقك بمعروفه في المستقبل، ونحن جميعا نرجو ثواب الله نرجو أن نبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يعطينا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا وأن يجوزنا على الصراط أجمعين كالبرق الخاطف وأن يدخلنا جنته وأن يرزقنا مجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا الرجاء العظيم يقتضي منا تمام المحبة والتعلق به جل جلاله، والمحبة محبة الله سبحانه وتعالى قاضية على محبة من دونه، فمن أحب الله جل جلاله أحب كل من يحب الله، فنحن الآن نحب محمدا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى وعيسى ونوحا والنبيين أجمعين لأنهم يحبون الله ويعبدونه، ونحب جبريل وإسرافيل وميكائيل لأنهم يحبون الله ويعبدونه، وكل من أحب الله وعبده فإننا نحبه حبا شديدا، لحبه لله جل جلاله، وذلك من تمام محبتنا لله.

وهذه المحبة كما ذكرت قاضية على كل حب سواها، فمن أبغض الله وخالفه وحاده في ملكه فلا بد أن يكون بغيضا علينا ولا بد أن نكرهه كراهة شديدة ولو كان أقرب الناس إلينا كما قال الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}، وهذه المحبة هي أعظم محبة كما قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}، فأشد أفعل تفضيل، وهي تقتضي أنه لا يمكن أن يوجد شيء من المحبة أشد من ذلك، وهذا المقام هو من الإيمان، ومن لم يجده في نفسه عامل الله بمعاملة الإنسان في البيع والشراء، وذلك خطأ في التعبد، فلا بد أن يكون الإنسان يعامل الله مع رغبته فيما عنده من الخير، ورهبته لما عنده من العذاب يعامله أيضا بمحبة شديدة له جل جلاله، ليكون في تعبده مؤديا للحق الواجب لله سبحانه وتعالى لا يطلب حظا نفسيا فقط، وهذا يقتضي من الإنسان أن يراجع نفسه دائما فيما يتعلق بتعبده هل هو محب لله، فكثير من الناس يؤدون العبادات ويتركون المحرمات طمعا في الجنة وخوفا من النار، ولكن لا يخطر على بالهم ما يتعلق بحب الله جل جلاله، وحب الله سبحانه وتعالى مقام كبير يزداد به الإنسان قربا، ولو كان قليل التعبد، فمحبته لله سبحانه وتعالى ترفع منزلته وتعلي قدره، ومن حقه إحسان عبادته، فهذه العبادة التي يؤديها المسلمون لله سبحانه وتعالى متفاوتة هم درجات عند الله، وهم متفاوتون فيها تفاوتا عظيما، ومن كان منهم أحسن للعبادة وأوفى بحقها كان مقامه أعلى عند الله سبحانه وتعالى، والعبادة تبنى كما تبنى البيوت، لها تأسيس وهو صحة الاعتقاد والتوجه إلى الله جل جلاله وحده، ثم بعد ذلك أداء الفرائض ثم بعد ذلك السنن ثم بعد ذلك المندوبات كما ثبت في الحديث القدسي الصحيح: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه.

وبعد ذلك يأتي حقوق المخلوقين وأعظمها حق محمد صلى الله عليه وسلم فهو الذي هدانا الله به من الكفر، وأنقذنا به من الضلالة والجاهلية، وهو الذي ندخل الإسلام بشهادة أن محمدا رسول الله، ونذكره في أذاننا وإقامتنا وفي تشهدنا في الصلاة، وهو الذي نسأل عنه في قبورنا، فكل إنسان منا يقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل، فأما المؤمن فيقول: هو محمد هو محمد هو محمد ثلاثا، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، وأما المنافق فيقول: هاه هاه، لا أدري كنت سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.

وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الذي نرجو أن ندعى به يوم القيامة، {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}، ونرجو الدخول في شفاعته وأن نحشر تحت لوائه، ونرجو الشرب من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا، وكل ذلك يقتضي منا أداء حقه، وحقه صلى الله عليه وسلم التوقير والإجلال وتعلم ما جاء به، والحرص على اتباع سنته، والائتساء والاقتداء التام به، فليس لأحد أيا كان العذر في مخالفة سنته، فقد قال الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، وهذا يقتضي من الإنسان أن لا يوازن أي رجل آخر بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو الذي لا يعدل عن قوله، ولا يمكن أن يعدل عنه لأي إنسان آخر، فهو أفضل الخلق وأزكاهم وأطهرهم، وهو المعصوم من هذه الأمة وحده، فلذلك لا هداية ولا وصول إلى مرضاة الله إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، ومن حقه صلى الله عليه وسلم نصرته، وأنتم تعلمون أنه منذ جاء بالبينات من عند الله والناس مختلفون فيه، فقد ناصبه المشركون العداء وقاتلوه وأخرجوه من داره التي ولد فيها وعاش فيها، وبعد ذلك قاتلوه وقاتله اليهود، وحاربه النصارى، وتمالأت عليه الأمم، ولم يزالوا يتمالؤون على دينه فيما بعد، وهذه الحرب التي قامت على النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أن كل إنسان منكم الآن يتمنى لو كان حاضرا يوم بدر، لو كنت حاضرا يوم بدر ماذا كنت تصنع، كنت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقوم بالحق، ويتمنى لو كان حاضرا يوم أحد فيكون من الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فيفعل مثل ما فعل طلحة بن عبيد الله أو يفعل مثل ما فعلت نسيبة في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان منكم يتمنى لو كان حاضرا يوم الحديبية فلا يسبقه أحد إلى بيعة الرضوان، فيضع يمينه في يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعه على الموت في سبيل الله.

إذا كان الحال كذلك فالأمر ما زال كما كان، فكل يوم من أيام الدنيا هو يوم بدر ويوم أحد ويوم الحديبية لأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالفرقان بين الحق والباطل، والناس لم يعادوه على أساس شخصه، فما عرفت البشرية أحدا أحسن منه خلقا ولا أحسن خلقا ولا أكرم نسبا ولا أخدم للناس، فلماذا عاداه الناس، لم يعادوه قطعا طعنا في نسبه، ولم يعادوه قطعا طعنا في خلقه، ولم يعادوه لأنه منعهم ماله، بل قال للأعراب يوم أوطاس: إليكم عني فلو كان عندي مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم ثم لم تجدوني جبانا ولا بخيلا ولا كذابا، فإذن لماذا عاداه الناس، لم يعاده الناس ولم يقاتلوه إلا على أساس الملة التي جاء بها، وهذه الملة باقية كما أنزلت، فأنتم جميعا تشهدون أن القرآن كما أنزل، وأن الدين كما شرع وأن الله هو الحق المبين، فإذن محور الخلاف والصراع قائم باق، وأنتم فاتكم صحبة شخص النبي صلى الله عليه وسلم فهي مزية وفضل، اختص الله بها الصحابة، ولكن لكم الحق في أن تكونوا من إخوانه، وإخوانه تمنى لو رآهم، فقال: وددت لو رأيت إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله، قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، للواحد منهم أجر خمسين، قالوا يا رسول الله منا أو منهم، قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعوانا ولا يجدون على الحق أعوانا، وقد خفف الله عنكم كثيرا من التكاليف والأعباء التي كانت على الصحابة، فالصحابة رضوان الله عليهم لما قام عليهم من الحجة وما نفعله نحن اليوم وما نقوم به من الدين في أغلب الأحيان لا يصل إلى عشر الدين، فمع كل هذا الترغيب ومع كل هذا الفضل العظيم مع ذلك لو قاس الإنسان منا عمره وما يبذله من نصرة الدين منه، فإنه لا يصل إلى 1%، لينظر كل واحد منا في عمله اليومي، هذا العمل اليومي كثير منه يتجه إلى أمور الدنيا، ولا بأس إذا كان في الحلال، وكثير منه يذهب في اللغو والأمور التي لا طائل من ورائها، لا تزيد الإنسان في دين ولا تزيده في دنيا، وكثير منه كذلك يكون حسرة ووبالا على الإنسان لأنه انشغال بما لا يرضي الله جل جلاله، وقليل جدا منه هو الذي يكون خدمة لهذا الدين ونصرة لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

أقبل على صلواتك الخمس واستقبل اليوم الجديد بتوبة فليفعلن بوجهك الغض البلى فهذه النعمة لها أجل مسمى فانتهزوه، ما لديك من القوى جميعا له أجل مسمى، أنت الآن تتحرك تستطيع أن تقوم تستطيع أن تجلس بحسب ما أردت، ولكن لذلك أجل مسمى تمنع فيه الحركة، لسانك الآن يمكن أن يقول لا إله إلا الله وسيحال بينك وبينها، تستطيع أن تستغل ما لديك من الجاه وما لديك من المكانة وما لديك من المال في طاعة الله، وسيحال بينك وبين ذلك، كم قد شاهدتم من الأغنياء الذين كانوا يملكون الكثير فافتقروا، أو أجيحت أموالهم وهم أحياء يمشون على وجه الأرض، وكم قد شاهدتم كذلك من الأقوياء الذين كان يضرب المثل بقوتهم وقد أصبحوا يحملون ولا يقضي أحد منهم حاجته إلا بمساعدة غيره، كل ذلك مقتض لأن نعلم أن النعم لا تدوم، وأن هذه النعم لها آجال محددة، وإذا لم نستغلها فإن الوقت يفوت، وقد حدثني أحد الأصدقاء اليوم في هذا اليوم الذي غربت شمسه أن أحد الوزراء كان وزير المالية فحدثه أنه جعل تحت يده خمسمائة قطعة أرض في انواكشوط، وأراد أن يوزعها ولكنه جعل يسوف ويقول: عددها يسير والطلبات كثيرة، فلم يزل يحتفظ بها حتى جاء انقلاب وعزل هو عن وظيفته فاستلمها من سواه فندم هو غاية الندم أنه لم يقدم شيئا في هذه الوظيفة، فقلت له: هذا درس نأخذه في هذا اليوم وعبرة من العبر فكل صاحب وظيفة مدة جلوسه على كرسيه هي مثل جلوسه على كرسي الحلاق ينتظر الحلاقة ويقوم ويترك مكانه لغيره، أو مثل اضطجاعه على النعش ليحمل عليه إلى قبره ثم يرجع بالنعش، فكل وظائف الدنيا شغلها مثل شغل الإنسان لنعشه أو شغله لكرسي الحلاق:

هو الموت ما منه ملاذ ومهربثم بعد هذا لا بد أن نعلم أن ما نحن فيه من الوظائف التي وظفنا الله فيها لم يكن لنا فيها تدبير ولا تفكير، {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا}، لم يستشر أحد منا عند خلقه هل يكون طويلا أو قصيرا، هل يكون أبيض أو يكون أسود، هل يكون جميلا أو يكون دميما هل يكون قويا أو يكون ضعيفا ما شاورنا الله في خلقتنا، {في أي صورة ما شاء ركبك}، فلذلك علينا أن نعلم أن هذا إنما هو بتدبير من الله جل جلاله، فهو قيوم السماوات والأرض، ولذلك فأنت موظف فسر على الخطة التي رسمت لك وأدها على الوجه الصحيح، وإلا فاعلم أنك لن تعجز الله في أي شيء، لم تشاور على أصل خلقتك فكيف بما دون ذلك.

وعمل المرء رفيقه غداثم بعد ذلك يأتي العمر الرابع وهو عمر الإنسان فوق الساهرة في المحشر، وهو عمر القيام يوم يقوم الناس لرب العالمين، ليس فيه اتكاء ولا اضطجاع ولا ارتفاق ولا جلوس، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يحشرون جميعا إلى الساهرة، حفاة عراة غرلا مشاة كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، عندما يؤذن للملك بالنفخ في الصور ينفخ فيه النفخة الأولى نفخة الفزع، فيصعق لها الخلائق جميعا من كان حيا يصعقون جميعا فيمكثون أربعين سنة ثم يؤذن له بالنفخ أخرى، فينفخ فيه فإذا هم قيام ينظرون، يحيون جميعا ثم يقومون ثم ينادي المنادي فيهم هلموا إلى ربكم فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون، وهم يرون الأرض تبس بسا وترج رجا، وتنفض كما ينفض الجراب فيخرج كل ما فيها، من الموتى وما فيها من المعادن وما فيها من الأموال وما فيها من الكنوز يخرج منها كل ذلك وتستوي استواء مطلقا ليس فيها جبال ولا أودية، فالجبال تكون كالعهن المنفوش، تفيئها الرياح يمينا وشمالا، والأودية تستوي ثم بعد ذلك تطوى الأرض طيا وتكون يوم القيامة خبزة يتكفؤها الجبار بيمينه كما يتكفأ أحدكم خبزته نزلا لأهل الجنة، ويرون السماء وهي تشقق بأصوات مروعة مفظعة، نحن الآن نرتاع لصوت الرعد، وهو صوت خفيف وصوت تشقق السماء صوت لا يتصور، هذه السماء القوية التي سمكها سمك كل سماء خمسمائة عام للمنحدر الصلب الهاوي، ومع ذلك تشقق والملائكة على أرجائها، وهم يطوونها طيا كما يطوى الكتاب، مثل طي الورق، كطي السجل للكتاب، وعندما تطوى السماء والأرض يجتمع الخلائق جميعا في الساهرة، وهي أرض مستديرة كالكرسفة البيضاء يقف الواقف على طرفها فيرى طرفها الآخر، يجتمع فيها الخلائق جميعا، وتدنو الشمس فوق رؤوسهم حتى تكون كالميل، ويشتد بهم العرق، حتى يسيح في الأرض سبعين ذراعا، ثم يرتفع بعدها فمنهم من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه ومنهم من يصل إلى حقويه، ومن يصل إلى سرته ومنهم من يصل إلى ثدييه، ومنهم من يصل إلى ترقوتيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، ويطول هذا الموقف طولا غير معتاد، فالإنسان لا يجد مكانا يجلس فيه ولا مكانا يضطجع فيه ولا نوم في عينيه ولا راحة له فهو واقف وقوفا واحدا، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون، ومن كان من أهل الخير في هذه الحياة الدنيا فإنه يستظل بظل صدقته يوم القيامة، فمن مستقل أو مستكثر، كل تتبعه صدقه في ذلك اليوم، فمن الناس من يأتي بالدرهم الواحد قد تصدق به في الحياة الدنيا فيحول بين جزء يسير من رأسه وبين الشمس، ومنهم من تأتي صدقته فتظله وتظل معه بعض أقاربه أو بعض الذين يمونهم فكل يستظل بظل صدقته فمن مستقل ومن مستكثر، ويطول هذا الموقف بالناس طولا غير معتاد، ثم يلجؤون إلى الشفاعة، فيشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلائق وهو المقام المحمود الذي أعد الله له. وبعد هذا العمر العمر الخامس، وهو عمر البقاء إما في جنة وإما في نار، فإن كان الإنسان من أهل الجنة فإنه عندما يعرض على الله جل جلاله وسنعرض عليه جميعا يبيض الله وجهه حتى يخترق في النور مسيرة خمسمائة عام، ويعطيه كتابه بيمينه وقد طيب من طيب الجنة، يعطى هذا الكتاب يفرح فرحا شديدا فيصيح في الناس: {هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتهم في الأيام الخالية}، وبعد ذلك يقرأ كتابه فيمر بكثير من المواقف المشرفة والأعمال الصالحة، وكتابه مبوب فيه باب فيما يتعلق بحقوق الله وتوحيده وعبادته، باب الصلاة وباب الزكاة باب الصوم باب الحج، وكل يأتيه ما قدم فيه، باب ما تعلم من العلم ما قرأ من القرآن ما ذكر الله تعالى من الذكر، ما تصدق به من الصدقات، ما جاهد به في سبيل الله، ما بذله من ماله لإعلاء كلمة الله، ما بذله من وقته وجاهه لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه والتمكين له، فيقرأ ذلك ويستره الله بستره الجميل، وما كان من أعماله السيئة يغطيه الله بكنفه وستره، فلا يرى شيء من أعماله السيئة، يقابله الله بالتجاوز والمغفرة ويكبر أعماله الصالحة فالشيء اليسير جدا يكبره الله، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وما تصدق امرؤ بصدقة من كسب طيب إلا كان كأنما يضعها في يمين الرحمن، فلا يزال ينميها له كما ينمي أحدكم فلوه أوفصيله حتى تكون كالجبل، فهذه الصدقة ينميها الباري كما ننمي نحن حيواناتنا، الفلو ولد الفرس والفصيل ولد الناقة حتى تكون كالجبل، فلذلك تزداد حسناته فإذا وقف بين يدي الميزان وله كفتان ولسان رأى أعماله الصالحة وهي توضع في كفة الحسنات، فترجح هذه الأعمال فيفرح برجحان كفة حسناته فرحا شديدا، ثم بعد ذلك يمر على الصراط مرورا سريعا، ثم بعد ذلك يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، شربة لا يظمأ بعدها أبدا، ثم يدخل الجنة فيفوز بما فيها من أنواع النعيم المقيم، إذا تجاوز أهلها الصراط رأوا شجرة عظيمة، فيدعون إليها فيأتونها فإذا فيها نهران نابعان من جذعها نهر داخل ونهر خارج، فيؤمرون فيشربون من النهر الداخل، فإذا شربوا منه زال كل ما في داخلهم من الأدواء والأمراض والتعب والنصب وأغلقت بطونهم فلا يخرج منها شيء، لا يخرج منها بول ولا غائط ولا مخاط ولا بصاق تزول الأقذار جميعا بمجرد شربهم من ذلك النهر، ثم يؤمرون فينغمسون في النهر الخارج فإذا انغمسوا فيه زال كل ما في أبدانهم من الوصب والتعب، فكل ما فيه من الجروح من كان منهم جرح على الصراط، فالصراط يخدش عليه بعض الناس، فمن الناس من يسقط شدقه ومنهم من تسقط أذنه ومن تسقط عينه ومن تسقط يده ومن تسقط رجله ومن يبقر بطنه كل ذلك بكلاليب الصراط، فيأتون وهم جرحى، كثير هم الجرحى يوم القيامة، ولكنهم عندما ينغمسون في ذلك النهر، يرجع إليهم ما فقدوا من أبدانهم، والإنسان الذي كانت خلقته ناقصة في الدنيا تكمل خلقته فتتم له يداه ورجلاه ويزول ما فيه من الشيب وما فيه من الشام وما فيه من آثار الجروح والخدوش وما فيه من الوسخ، فيكونون جميعا على صورة آدم عليه السلام ستين ذراعا في السماء وسبعة أذرع في العرض كأن وجوههم القمر ليلة البدر، وعندما تكمل خلقتهم يكسون من حرير الجنة، وأول من يكسى إبراهيم عليه السلام يكسى من الديباج الأبيض، ثم يكسى الأنبياء والصالحون ثم بقية الخلائق، فيكسون بتلك الكسى التي هي هدية الله لهم، ثم بعد هذا يستقبلهم ولدان الجنة، كل إنسان منهم وحده يأتي الولدان يرحبون به ويغنون له وينشدون بين يديه الترحيب الكامل به، لا يلتبس عليهم صاحبهم بمن سواه، ولهو أدل بمنزله من الجنة من أحدكم بمنزله في الدنيا، فيرجع الولدان أمامه إلى الجنة فيأتون أهله فيدخلون قصوره فيقولون جاء أهل الجنة وفيهم فلان، فيقول نساؤه للأولاد أنتم رأيتموه فيقولون نعم وهو على الأثر، وإذا دخل قصره تستقبله إحدى نساء الجنة، ونساؤها خلقهن الله عز وجل فجملهن وكملهن فلو سفرت إحداهن عن وجهها في الليلة الظلماء لأشرق لها ما بين المشرق والمغرب، ولو بصقت في البحر لصار عذبا من بصاقها، ويرى مخ ساقها من خارجه، وأهداب عينيها كجناح النسر، وحاجبها مثل الهلال في الاستقواس والسعة، فتأتي وقد لبست سبعين حلة من حلل الجنة، فيضع يده بين كتفيها فيرى أصابعه بين ثدييها، ويجد الإنسان فيها من النعيم المقيم ما لا يخطر له على بال، فجدران الخارجية مجرد الجدران لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وترابها المسك والكافور، وفيها الأنهار التي تجري ليست مثل أنهار الدنيا، أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، ماؤها وحده مجرد الماء لو قطرت منه قطرة واحدة بالأرض لم يبق فيها ملح ولم يبق فيها أذى ولم يبق فيها مرض، وأبلغ ما فيها من النعيم لذة النظر إلى وجه الله الكريم، بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم فإذا الرب جل جلاله يناديهم من فوقهم سلام قولا من رب رحيم، فلا ينظرون إلى شيء مما هم فيه ما داموا ينظرون إلى وجه الله الكريم، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، يحييهم الله جل جلاله بالتحية والسلام، فيقول: {سلام قولا من رب رحيم}، ويناديهم المنادي يا أهل الجنة: إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وان تصحوا فلا تسقموا وأن تنعموا وتكرموا، فهم يشبون دائما ولا يهرمون يمضي عليهم آلاف السنين لا يخافون من شيب ولا هرم، وأن تصحوا فلا تسقموا، لا يصيبهم أي داء ولا أي مرض، وهم دائما في صحة كاملة في جميع قواهم، كذلك متعهم وملذاتهم ليست مثل ملذات الدنيا بوجه من الوجوه، فلذة الجنة لا تنقطع، نعيم الجنة لا يزول، اللذة الأولى التي ينالها الإنسان عندما يصل إليه شيء من روحها وريحانها تبقى معه ولو جاء بعدها مليارات اللذات، كل لذة تأخذ مكانها من قلبه ومن تصوره وتأتي عليها اللذة الأخرى واللذة الأخرى وهكذا لا يزول شيء من لذاتها، بخلاف لذات الدنيا فلذات الدنيا لا يستطيع الإنسان الجمع بين اثنتين منها غالبا، كذلك لا يمل شيء مما فيها، فالفواكه دانية، لا يحتاج الإنسان إلى أن يصعد إلى الشجرة حتى يأخذ فاكهتها بل تأتيه الفاكهة، وإذا انتزعها مباشرة نبتت في مكانها فاكهة مثلها تماما، وفي فواكهها تنوع عجيب كل فاكهة لها رائحة هي أشهى الروائح، يظن الإنسان أنه لا يشم رائحة أطيب منها، فإذا أخذ الفاكهة الأخرى إذا هي أطيب منها بآلاف المرات، {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها}، لا يشبعون مما فيها، فقد أتوا من القوة على شهواتهم ولذاتهم ما لا يتصور ولا يوصف، ولا يسكرون من خمرها ولا يصدعون عنها، لا يصدعون عنها ولا ينزفون معناه لا يسكرون، وهم في ذلك النعيم المقيم يستزيرهم الباري جل جلاله أي يدعوهم لزيارته، وذلك بحسب خشوعهم في الصلاة وإخلاصهم لله، فمن كان من الخاشعين كانت زيارته لله سبحانه وتعالى في كل يوم، ومن كان أقل خشوعا كانت زيارته في كل أسبوع أو في كل شهر أو في كل سنة أو في كل مائة ألف سنة يزور مرة واحدة وهكذا، وانظروا البون الشاسع بين من تكون زيارته في كل مائة سنة مرة واحدة، ومن تكون زيارته في كل يوم يزور الباري جل جلاله، ويقيم الله لهم أسواقا في الجنة، لا يحتاجون إلى شراء شيء مما فيها، بل لهم فيها ما يدعون، كلما أرادوا شيئا وجدوه في تلك الأسواق فأخذوه بدون ثمن، يرجعون إلى أهليهم فإذا رأوهم وقد أرسل الله عليهم نسيما طيبا يحسن صورهم ويزيدهم عطرا يقول لهم أهلوهم إذا أتوهم والله لقد ازددتم حسنا بعدنا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسنا بعدنا، هذا النعيم المقيم هو في مقابل إيمانهم بالله سبحانه وتعالى هو جزاء إيمانهم بالله سبحانه وتعالى وعملهم الصالح ونصرتهم لله جل جلاله.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا أجمعين لكل خير وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة، وأن يجعلنا أجمعين من الذين سبقت لهم من الله الحسنى، وأن يغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا، ولأشياخنا ولمن ولدوا إلى منتهى الإسلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأربعاء, 08 ديسمبر 2010 15:35
 

آخر تحديث للموقع:  الجمعة, 12 أبريل 2024 20:59 

النتائج النهائية لمسابقات دخول المركز

اشترك في القناة

موقع مركز تكوين العلماء

برامج تلفزيونية

جديد الموقع

إحصائيات

المتصفحون الآن: 30 

تابعونا علــــى:

تابِع @ShaikhDadow